السبت 08 فبراير 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

من المعابد القديمة إلى العلامات التجارية.. رحلة صناعة المقدس

الجمعة 07/فبراير/2025 - 02:29 م

منذ فجر التاريخ، بنى الإنسان المعابد وقدس رموزها، وكانت المعابد لدى الفراعنة والبابليين والمايا هي المكان المقدس الذي يلتمس فيه الناس معنى لوجودهم.

ولم يكن أحد يتخيل أن هذا النموذج سيتكرر في العصر الحديث، لكن بأدوات مختلفة تماما، من قاعات المعابد القديمة إلى ناطحات السحاب في نيويورك وباريس ولندن. 


في عالمنا المعاصر يمشي زوار متجر آبل، بخشوع كأنهم في معبد. تشاهد موظفين يرتدون زيا موحدا كالكهنة، يقدمون الهواتف للزبائن كأنها تمائم مقدسة، ليس هذا متجرا، إنه معبد العصر الجديد. وفي القرون الوسطى باعت الكنيسة في أوروبا صكوك الغفران فاشترى الناس وعدا بالخلاص، واليوم تبيع تسلا سيارة كهربائية، فيشتري الناس أملا بإنقاذ الأرض، وتبيع "أديداس" حذاء رياضيا، فيشتري الناس وعدا بالتفوق.


لم تتغير الفكرة: استثمار المقدس في وعي الجماهير، تطورت الأدوات فقط: من رموز المعابد إلى شعار مضيء في ساحة التايمز.

الأمر يتجاوز التسويق التقليدي إلى "لاهوت استهلاكي" معاصر. العلامات التجارية تبني قصصا عن الإنسانية والوعد بالفردوس الرقمي، وتبني طائفة من الأتباع المخلصين، عقيدتها السعادة والخيال. 


أتقنت الشركات الكبرى ما أتقنته الأديان من ناحية خلق الطقوس، فنرى التنظيمات المتطرفة ترفع الرايات السوداء وتصنع الهوية البصرية بحرفية عالية، بينما في شركات العلاقات العامة، يرفع المسوقون شعارات العلامات التجارية ويصنعون المحتوى بنفس الحرفية، فعلى منصات التواصل الاجتماعي يتنافس المؤثرون على من يبيع نمط حياة، كلاهما يجمع الأتباع المخلصين.


لقد أدركت الشركات ما أدركه رعاة المعابد منذ آلاف السنين؛ أن البشر لا يشترون المنتجات، بل يشترون الوعود. لا يبحثون عن الأشياء، يبحثون عن المعنى، لقد ملأت العلامات التجارية الفراغ الروحي بطقوس الاستهلاك، لقد استبدلنا معابد الأمس بمولات اليوم.


هل يمكن للإنسان أن يتحرر من سطوة المقدس، أم أن حاجته للرموز متجذرة في أعماقه؟.. وهل يكفي أن ندرك آليات التلاعب بوعينا لنتحرر منها؟ من رموز المعابد إلى رموز العلامات التجارية، لم تتغير سوى الأدوات.. يبقى الهدف واحدا: صناعة القداسة في عقول البشر.

تابع مواقعنا