من يحرر يقرر| معادلة السلطة الصفرية ومأزق نموذج الحكم في سوريا
لعنة الثورات: النبوءة المتجددة
شعار "من يحرر يقرر" الذي يردده مناصرو هيئة تحرير الشام يؤسس لمعادلة السلطة الصفرية، في تجسيد للنبوءة التاريخية حول لعنة الثورات، وتجاهلها مفهوم العقد الاجتماعي الذي يقوم على التوافق والرضا الشعبي. والخلط بين مفهومي التحرير والاستحواذ على السلطة، والانفلات من المسؤولية الأخلاقية للمُحرِر تجاه من حررهم.
إنه نموذج صارخ لإشكالية العلاقة بين القوة والشرعية في المجتمعات المأزومة. والمأساة أن هذا الشعار يتماهى موضوعيًا مع مقولة أنصار النظام المخلوع "الأسد أو نحرق البلد". إنها شرعنة لمنطق القوة، وتأصيل لفكرة أن الغلبة العسكرية تعطي حق الوصاية على المجتمع.
علَمنا التاريخ أنه في طقوس العبور من الثورة إلى السلطة، الدم يتحول إلى حبر، والرصاص إلى أختام، والمتاريس إلى مكاتب، والخندق يصير مكتبًا، والثائر يصير موظفًا فاسدًا. فيما كل محرر يحمل في داخله بذور استبداده، وكل ثورة تحمل في رحمها نظامها النقيض.
مأزق النموذج: خريطة طريق نحو المجهول
تتعمق إشكالية العلاقة بين القوة والشرعية مع صمت الهيئة المريب عن تحديد نموذج الحكم الذي تنوي تطبيقه في خريطة طريق نحو المجهول. فالسؤال المحوري الذي يواجهها اليوم: أي نموذج ستتبنى لإدارة دولة بتعقيدات سوريا وتنوعها؟ هل ستتجه نحو نموذج الخلافة؟ أم ستحاول استنساخ تجربة حزب العدالة والتنمية التركي؟ أم ستكرر النموذج الطالباني في الحكم المتشدد؟ أم ستسعى لتطبيق النموذج الماليزي؟
دوائر السلطة: تشريح منظومة الإقصاء
وتتجلى خطورة هذا النهج في سياسات التعيين التي تتبعها الهيئة. فتعيين كوادر من داخل الهيئة، معظمهم يفتقر للخبرة الإدارية والمؤسسية، في مناصب حساسة، مع تهميش منهجي للكفاءات من المؤسسات المدنية والعسكرية المعارضة، يكشف عن نزعة إقصائية تدفع المكونات المجتمعية المختلفة للانكفاء خلف هوياتها الطائفية والمذهبية كآلية دفاعية.
وعند تشريح منظومة الإقصاء في تجربة هيئة تحرير الشام لا بد من طرح سؤال محوري؛ هل يمكن تجاوز ثنائية الاستبداد العسكري أو الاستبداد الديني نحو نموذج يحترم التعددية ويؤسس لشرعية حقيقية؟
الساعة تدق: الامتحان مؤتمر الحوار
الوقت يداهم هيئة تحرير الشام، فالامتحان الحقيقي والحاسم لمصداقيتها يكمن في كيفية إدارتها وتنظيمها لمؤتمر الحوار الوطني المرتقب، حيث يتقاطع الزمن مع الشرعية، والهوية مع السلطة، فيما تقف الهيئة على حافة التاريخ. هذا المؤتمر سيكشف بجلاء عن حقيقة نواياها، سيكون لحظة المكاشفة الكبرى؛ فالساعة تدق والتاريخ يسجل، والمؤتمر قادم ليكون شاهدًا على لحظة فارقة في مسار الثورة والوطن. هل تستطيع الثورة أن تنتصر على غريزتها في التحول إلى نظام دولة؟ أم أن قدر كل ثورة أن تأكل أبناءها؟