في الدفاع عن العلم.. خالد منتصر ونظرية التطور
لم يكن الدكتور خالد منتصر، وهو من أكثر الأصوات جرأة في مواجهة الجهل والتخلف، يطلب أمرًا مستحيلًا حين ناشد وزير التعليم بضرورة تدريس نظرية التطور في المدارس المصرية، بل إنه وهو يدري تماما، قد ألقى حجرًا في بركة آسنة، كشف عن مدى الركود الذي أصاب العقل الجمعي لمجتمع يفترض أنه يسير نحو الحداثة.
فما إن نشر موقع “القاهرة 24” هذا الخبر حتى انطلقت جحافل الغضب، لا لتفنّد النظرية أو تقدم نقاشًا علميًا رصينًا، بل لتكيل الشتائم وتطلق الأحكام الجاهزة التي لا تستند إلى قراءة أو فهم، لقد كان المشهد محبطًا، لا لأن الرفض جاء من العامة الذين ضُربت عليهم أغلال الجهل، بل لأن بعض من هاجم النظرية وهاجم بل وسب وقذف الدكتور خالد هم من حملة شهادات الدكتوراه، أولئك الذين يُفترض أنهم قد تمرسوا في البحث والتمحيص، لكنهم أبانوا عن انغلاق فكري يوازي، إن لم يفق، جهل البسطاء.
في الدفاع عن العلم.. خالد منتصر ونظرية التطور
إن هذا الهجوم العنيف ليس غريبًا، فكل من يحاول أن يزيح الغبار عن عقولنا يصطدم بجدار من الخرافة المقدسة، فالدكتور هشام سلَّام، أستاذ علم الحفريات بجامعة المنصورة والذي له أبحاث معتمدة عالميًا، لم يسلم من هذا المصير أيضًا، إذ يواجه الرجل هجومًا شرسًا لمجرد تأكيده على حقيقة التطور، وهو الذي قضى عمره بين الأدلة الأحفورية التي لا تُحصى، والتي تؤكد، بلا أدنى شك، أن التطور ليس مجرد “فرضية” كما يردد البعض، بل هو حقيقة علمية راسخة، شأنها شأن الجاذبية والنسبية.
إن ما واجهه الدكتور خالد منتصر من هجوم لم يكن مجرد رفض لفكرة علمية، بل هو انعكاس لأزمة عقلية أعمق، أزمة الخوف من المعرفة، فالمجتمعات التي لا تدرس التطور، والتي ترفض كل ما هو جديد، تحكم على نفسها بالبقاء في الظل، بينما تمضي بقية الأمم في رحلتها نحو المستقبل.
ولهذا، فإننا نصطف بكل وضوح مع الدكتور خالد منتصر في مطالبته وزير التعليم المصري بضرورة إدراج نظرية التطور في المناهج الدراسية، ليس فقط كمطلب أكاديمي، ولكن كخطوة حتمية نحو انتشال العقول من أسر الجهل والخرافة، فالأمم التي تحترم نفسها لا تخشى العلم، ولا تستسلم لضغط الأصوات التي تهاب المعرفة.
إن المطالبة بتدريس نظرية التطور ليست ترفًا فكريًا، بل هي ضرورة حتمية إذا أردنا لمجتمعنا أن ينهض، إن العلم ليس رأيًا شخصيًا، وليس وجهة نظر قابلة للمساومة، بل هو المسار الوحيد الذي قاد الإنسانية إلى ما هي عليه اليوم من تقدم، وإذا كان هناك من يخشى العلم، فليتذكر أن الشمس لا تُحجب بالغربال، وأن الحقيقة، مهما طال حجبها، ستفرض نفسها يومًا ما.
تحية للدكتور خالد منتصر، وتحية لموقع “القاهرة 24” الذي أثبت، مرة أخرى، أنه منصة لا تخشى مواجهة العقول المتحجرة، وأنه باقٍ في صف التنوير، حيث ينبغي لكل من يحمل شعلة المعرفة أن يكون.