سافروا إلى النجوم يوم انتحار مبدع.. كتاب جديد لـ خالد منتصر يشارك في هيئة الكتاب
يشارك كتاب سافروا إلى النجوم يوم انتحار مبدع للإعلامي والكاتب الدكتور خالد منتصر الصادر عن دار ريشة للنشر والتوزيع في معرض القاهرة الدولي للكتاب، ويقدم للكتاب كلمن الدكتور أحمد عكاشة والدكتور محمد المخزنجي.
سافروا إلى النجوم يوم انتحار مبدع كتاب جديد لـ خالد منتصر يشارك في هيئة الكتاب
في مقدمة الكتاب يقول الدكتور خالد منتصر: مفيش حمار بيحاول الانتحار.. الانتحار فعل إنساني، هذا ما أراد قوله والبوح به الشاعر صلاح جاهين في تلك الرباعية التي أنهاها بهذه الجملة الصادمة البليغة، فعلماء الاجتماع مغرمون بوصف الانسان بأنه إما حيوان ناطق، أو حيوان حكاء، أو حيوان سياسي...الخ، لكنهم لم يهتموا بإضافة صفة يتميز بها عن بقية أفراد المملكة الحيوانية، وهي أنه حيوان يتفرد البعض فيه باختيار لحظة نهايته، انتحاره، منذ أن تطورنا إلى الإنسان العاقل الهوموسابينس، واتسعت قشرتنا المخية، وصارت جماجمنا وهياكلنا العظمية مهيأة لحمل هذا المخ الكبير، والتلاءم مع الوقوف على قدمين واستكشاف العالم بفضول وشغف بعينين سكنتا مقدمة الوجه لا جانبيه، سكننا هاجس النهاية، هل نحن إلى فناء ؟، أم إلى خلود في عالم آخر ؟، وبدأ الخوف، ريشة الرعشة الأبدية التي رسمت جدارية الأساطير والأديان، وصنعت المعابد والمقابر، ودشنت المؤسسات الدينية وطائفة حراس المعبد والمفتشين في النوايا والضمائر، اختار البعض أن يضعوا نهاياتهم بتوقيعهم ولا يستعيرون خطًا من أي قوة أو سلطة، يقررون موعد الرحيل عن هذا العالم باليوم وبالساعة والثانية، هل حساسيتهم أعلى؟، بلادتهم أقل؟، يفتقدون المرونة والمواءمة والنفاق والمداهنة؟، يفتقرون إلى شجاعة الاستمرار والمعافرة ؟، لا يحتملون رائحة عرق القطيع الخانق وزحامهم العشوائي فيسافرون إلى النجوم كما قال فان جوخ، تلك النجوم التي فيها مسافات عزلة تمكنهم لأول مرة من الجلوس مع ذواتهم، والاستمتاع بدفء كهفهم الخاص، ربما هذا أو ذلك أو تلك، وربما شيء آخر لم نعرفه بعد، ولن نعرفه، لكن المهم أننا أمام حالة استقالة علنية من وظيفة العيشة، ألا تكون حيًا وسط هؤلاء وبقرار نافذ وصارم وحاسم.
تعتبر غريزة البقاء حيًا أهم الغرائز البشرية، لذلك دراسة من يتجرأ ولا يبالي بتلك الغريزة والحفاظ عليها، في منتهى الأهمية، تقول الإحصاءات أن هناك منتحرًا كل 40 ثانية في مكان ما من العالم، لكن كتابي لن يتحدث عن كل هؤلاء، كتابي سيروي عمن انتحر وهو في قمة إبداعه وفنه وتوهجه العلمي أو السينمائي أو الروائي أو الشعري أو الفني..الخ، كان انتحاره لونًا وطيفًا من ألوان وأطياف لوحته الإبداعية، روايتي عن هؤلاء ليست روايتي أنا، ولكنها رواياتهم هم، على لسانهم كما تخيلتها، وما كتبته مائل بالفونت الأسود وأسفله خط في الكتاب هو اقتباسات مما كتب أو قال هؤلاء المبدعين، الكتاب بالطبع ليس دعوة للانتحار، ولكنه دعوة للفهم، أن نفهم دوافع هؤلاء، ونزيل وصمة العار عن هؤلاء المبدعين وعن ذلك الفعل بيد ضحية الاكتئاب، ذلك الكلب الأسود كما وصفه تشرشل، كل منهم كان سيزيف، كل منهم كان وكيلًا عن كثيرين ممن أصابهم الخرس فلم يعبروا، أو داهمتهم حمى النفاق فسايروا السائد وتآلفوا مع البديهي والرائج، كل من هؤلاء المبدعين المنتحرين صرخ في وقت صمتنا، كل منهم أعلن وصرح وتجرأ على البوح في وقت تواطئنا، كل منهم كان أشرف بكثير ممن وافق على الاندماج في بركة العفن المخثرة بدماء وأشلاء ضحايا الحياة الخالية من المعنى، أنا شخصيًا كتبت هذا الكتاب لأرد لهم اعتبارهم في عالم لم يفهمهم حق الفهم، وأدانهم وطاردهم في قبورهم، أكتب لأنحني احترامًا لهم ولحساسيتهم ورقة مشاعرهم وعدم احتمالهم لألم الإطار الحياتي الضيق، فاختاروا الرحابة والفرار من البرواز الخانق، وسافروا إلى النجوم، لن أحكي عن أبطال روايتي، فهم سيحكونها بأنفسهم، أحترم مبرراتهم، وأتفهم جيدًا لحظة وداعهم للأرض، ومصافحة النجوم، فلنعش الحياة، ونحبها، ونبتهج، ونرقص، ونفرح، لكن في نفس الوقت لا ننسى من تحمل عنا عبء البوح بحقيقة اللا معنى الكامن أحيانًا في ثنايا تلك الحياة، والعبث المتواري في كواليسها، على الأقل لا ندينهم، لا نكفرهم، لا نجلدهم، أنا شخصيًا لو كنت نحاتًا لشكلت لهؤلاء المبدعين بإزميلي تماثيلًا لهم، لأنهم امتلكوا الجرأة على الصراخ في وجوهنا بالحقيقة، في دنيا لا أحد يملك قرارًا ولا اختيارًا فيها، لكنهم كانوا الوحيدين الذين امتلكوا لحظة القرار ولحظة الاختيار، فلننصت إليهم، ونقترب من نار أوجاعهم، صرخوا وهم يحترقون، بينما نحن استخدمناهم حطبًا لتدفئة نرجسيتنا، فلنستمع إليهم مرة واحدة، لا أريد منك تعاطفًا، ولا أتسول دموعًا، لكني أرجو فقط أن تنصت إلى لحظات الألم التي تدفع مبدعًا إلى رسم آخر خط في بورتريه البقاء على حافة الحياة، وشطب وخيانة آخر بنود معاهدة الهدنة معها.