كفاح على دراجة لتحدي الظروف.. «أم بسملة» أول سيدة دليفري في بني سويف

في شوارع مدينة بني سويف، تتحرك عجلات دراجتها الكهربائية بسرعة، تارة تناور بين السيارات، وتارة تتوقف لالتقاط أنفاسها، تحمل على ظهرها حقيبة توصيل الطلبات، بينما تحمل في قلبها عزيمة لا تلين.. إنها أم بسملة، السيدة الخمسينية التي كسرت الحواجز وأصبحت أول امرأة تعمل في مهنة الدليفري بالمحافظة.
البداية من الصفر
لم تكن "أم بسملة" تعرف يومًا أنها ستتحول إلى سائقة دليفري، لكنها لم تجد خيارًا آخر عندما اشتدت عليها الحياة، إذ أصيب زوجها بمرض السكري، والذي لم يكتفِ بمهاجمة جسده، بل أثّر بشكل كبير على إحدى كليتيه، مما جعله طريح الفراش غير قادر على العمل، ولديهم ابنة وحيدة متزوجة.
تقول أم بسملة في بث مباشر أجراه معها «القاهرة 24»، إنها حاولت البحث عن أي عمل يناسبها، لكن الفرص كانت شحيحة، خاصة في سنها، حتى جاءتها الفكرة عندما كانت تراقب شباب التوصيل أمام المطاعم، وقالت لنفسها: "ليه ما أجربش؟".
مش عيب الشغل.. العيب إننا نستسلم
واجهت رفضًا في البداية، فالمهنة يسيطر عليها الشباب، ولم يتقبل الجميع فكرة أن يروا امرأة تقود دراجة بخارية لتوصيل الطلبات، لكنها لم تستسلم، وذهبت بنفسها إلى أحد المطاعم الشهيرة في بني سويف، وعرضت الفكرة على صاحبه.
تردد صاحب المطعم في البداية، لكنه انبهر بشجاعتها وإصرارها، فقرر منحها الفرصة، ومن هنا بدأت رحلتها، تعلمت قيادة الدراجة، وحفظت طرق المدينة، وأصبحت تنقل الطلبات بسرعة وكفاءة، حتى بدأ الزبائن يطلبونها بالاسم.

لم يكن الأمر سهلًا، فالمجتمع لم يرحمها، والكثيرون سخروا منها، لكنها لم تلقِ بالًا، فكل رحلة توصيل كانت تعني وجبة لزوجها وعلاجًا لحالته الصحية.
تقول وهي تمسح عرقها بعد رحلة طويلة في شوارع المدينة: “في الأول كنت بخاف من نظرات الناس، بس لما شوفت نظرة الرضا في عين جوزي، عرفت إني ماشية في الطريق الصح.. مفيش حاجة اسمها شغلانة للرجالة بس، طول ما الإنسان بيكسب بالحلال وبيساعد أهله يبقى على الطريق الصحيح".
نموذج يُحتذى به
رغم كل التحديات، لم تفكر أم بسملة يومًا في التراجع. اعتادت نظرات الدهشة، وتجاهلت التعليقات المحبطة، وأصبح تركيزها الوحيد هو مواصلة العمل وتأمين حياة كريمة لأسرتها.
اليوم، لم تعد أم بسملة مجرد امرأة تعمل في مهنة غير مألوفة، بل أصبحت رمزًا للصبر والتحدي، ربما لم تكن تحلم يومًا أن تصبح معروفة بين أهل بني سويف، لكنها الآن مثال يُضرب في قوة الإرادة، وشاهدة على أن المرأة القوية لا تنتظر المساعدة، بل تصنع طريقها بنفسها، حتى لو كان على دراجة وسط شوارع مزدحمة.