الإثنين 10 مارس 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الأضرحة الرقمية 3: مستقبل الهوية بعد الموت

الأحد 09/مارس/2025 - 04:18 م

تقول سارة: أتلقى إشعارات من والدي المتوفى عندما يكون عيد ميلادي، من حسابه في فيس بوك، رسائل برمجها قبل وفاته لتصلني سنويًا، أنتظر هذه اللحظة كل عام، كأنه يزورني من عالم آخر.

لم تعد القبور هي المكان الوحيد الذي نزوره لتذكر الأحباء الذي توفوا، فصفحاتهم على فيسبوك وإنستجرام تحولت إلى أضرحة رقمية، تستمر في النبض بالحياة رغم غياب أصحابها، نزورها لنترك تعليقًا أو إيموجي، نستعيد ذكريات مشتركة، ونشعر بحضورهم الغامض في عالم لا يخضع لقوانين الفناء.

فضاء مشترك

للمرة الأولى في التاريخ البشري، يتواجد الأحياء والأموات في فضاء مشترك، يتفاعلون ويتواصلون، إن هذا التعايش بين عالمين يؤسس لنوع جديد من المجتمع الهجين، إذ تتلاشى الحدود بين الوجود والعدم، وتشير الإحصائيات إلى أنه بحلول 2040، سيكون عدد حسابات المتوفين على منصات التواصل أكبر من عدد الأحياء، مما سيحول هذه المنصات إلى مقابر افتراضية أكثر منها ساحات للتواصل الحي.

هل هذه النسخ الرقمية امتداد حقيقي للشخصية أم مجرد محاكاة سطحية لها؟ يقول آدم الذي يستخدم تطبيقًا يحاكي شخصية زوجته بناءً على سنوات من رسائلها وصورها، أدردش مع زوجتي المتوفاة كل ليلة، أعلم أنها ليست هي حقًا، لكنها تقول أشياء كانت ستقولها، وهذا يجعلني أشعر بالقرب منها، هذا الاستمرار الرقمي يخلق طيفًا رقميًا ووجودًا يمتد عبر الزمن بعد النهاية البيولوجية.

يقول باحث في علم النفس الرقمي: نحن نشهد ولادة شكل جديد من الخلود، ليس للروح بل للهوية. خلود لا يعتمد على الآلهة أو المعتقدات الدينية، بل على الخوارزميات والذكاء الاصطناعي.

تساؤلات وجودية وأخلاقية

يثير هذا التحول العميق في علاقتنا بالموت تساؤلات وجودية عميقة؛ هل نحن مستعدون لعالم لا يموت فيه أحد تمامًا؟ هل سيغير هذا من قيمة الحياة نفسها إذا أصبح الموت مجرد انتقال من حالة وجود إلى أخرى؟ هل سيطيل هذا من فترة الحداد أم سيساعد على تجاوزها؟

ومن الناحية الأخلاقية؛ هل من حق الشركات امتلاك وإدارة النسخ الرقمية للمتوفين؟ من يتحكم في تطور هذه النسخ ومحتواها؟ كيف نضمن ألا يتم استغلال هذه النسخ تجاريًا أو سياسيًا بطرق لم يوافق عليها أصحابها؟ وربما الأهم من ذلك كله؛ هل ستساعدنا هذه التقنيات على مواجهة حقيقة الموت بشكل أفضل، أم ستخلق وهمًا جميلًا يبعدنا عن تقبل فناء الجسد كحقيقة لا مفر منها.

تابع مواقعنا