بيروت وهيروشيما وبرلين.. 3 تجارب إعادة إعمار ألهمت مصر خطة غزة

وضعت مصر رؤية مكتملة الأركان لإعادة إعمار غزة وتنمية القطاع مرة أخرى، بعد الكارثة الإنسانية التي حلت بالقطاع عقب أحداث السابع من أكتوبر 2023.
الرؤية المصرية لإعادة الإعمار استلهمت خطتها من تجارب إعمار ثلاث مدن في العالم بداية من هيروشيما وبرلين وبيروت، وذلك بعد دراسة حالات إعادة التأهيل العمراني لتلك المدن بعد أثار الحروب المدمر التي ألمت بها.
خطة إعادة إعمار غزة التي اطلع عليها القاهرة 24، كشفت عن التجارب التي ألهمت مصر خطة إعادة الإعمار التي تركز بشكل أولى على عدم تهجير الفلسطينيين من أرضهم، والنهوض بالبنية التحتية للقطاع.
التجربة الأولى: هيروشيما - اليابان
في 6 أغسطس من عام 1945 أصبحت هيروشيما أول مدينة تشهد هجومًا بقنبلة نووية خلال الحرب العالمية الثانية، دمرت المدينة بشكل كامل تقريبا، حيث تم تدمير أكثر من 90% من مبانيها، حيث انهارت جميع البنية التحتية (المباني، الطرق، الجسور، والمرافق العامة)، إلى جانب تهجير جماعي لأهالي المدينة، إلى جانب كوارث التأثير البيئي، إذ جعل التلوث الإشعاعي جهود إعادة البناء تحديا كبيرا.
استراتيجية إعادة التأهيل العمراني:
لإعادة إعمار المدينة مرة أخرى وضُعت إجراء خطة شملت إنشاء ملاجئ طوارئ للسكان النازحين، وإزالة الركام وتطهير المواد الخطرة، كما تم استعادة الخدمات الأساسية مثل إمدادات المياه والكهرباء تدريجيا، كذلك التخطيط العمراني وإعادة بناء البنية التحتية، وسن قانون بناء مدينة تذكار السلام في هيروشيما عام 1949، وكان الهدف من الخطة الرئيسية تحويل هيروشيما من موقع دمار إلى رمز للسلام والتعافي.

التجربة الثانية: برلين - ألمانيا
قبل الحرب العالمية الثانية، كانت برلين واحدة من أكثر المدن ديناميكية في أوروبا، معروفة بقوتها الصناعية، وتأثيرها الثقافي، وتخطيطها العمراني الحديث، إلا أنها تعرضت لتدمير هائل، خاصة بسبب حملات القصف من قبل الحلفاء ومعركة برلين في عام 1945، حيث فقدت المدينة حوالي 300.000 منزل نجا 29 فقط من أصل 234 مستشفى.
تُركت برلين في حالة من الخراب بعد القصف الجوي المكثف والمعارك البرية حيث تم تدمير أو تضرر ما يقارب 50% من هياكل المدينة، وتم تقسيم المدينة إلى برلين الشرقية التي كانت تحت السيطرة السوفيتية وبرلين الغربية التي كانت تحت الاحتلال الغربي، حيث اتبعت كل منهما إيديولوجيات تخطيط حضري مختلفة.
استراتيجية إعادة التأهيل العمراني:
1 - إعادة الإعمار بعد الحرب (1945 - الخمسينات):
الترميم الطارئ الأولى: بعد الحرب العالمية الثانية، كانت برلين في حالة خراب، وركزت الجهود الفورية على إزالة الركام واستعادة البنية التحتية الأساسية مثل المياه والكهرباء والنقل الرؤى العمرانية المتباينة تطورت برلين الشرقية والغربية تحت تأثيرات إيديولوجية مختلفة، حيث اتبعت برلين الشرقية التخطيط المركزي على الطراز السوفيتي، بينما تبنت برلين الغربية إعادة الإعمار الحديثة.
2 - استراتيجيات حضرية متباينة وإعادة الإعمار (الخمسينات - الستينات):
تميزت هذه المرحلة بتطوير مشاريع عرضية، حيث استمرت برلين الغربية في بناء المباني الشاهقة والمعالم الثقافية ومراكز الأعمال لتعزيز صورة الازدهار، أما برلين الشرقية فقد بنت مساكن شاهقة في الأحياء الاشتراكية لعرض التصنيع الحضري واستقرار الاقتصاد.
3- إعادة التأهيل الحضري وإعادة التوحيد (السبعينات - التسعينات):
تحولت من التوسع الخارجي إلى إعادة تأهيل المناطق الداخلية للمدينة، وتم الحفاظ على مراكز المدن التاريخية كمجموعات متكاملة بدلًا من مبان معزولة الاندماج بعد التوحيد، وتطوير البنية التحتية لإعادة ربط الأحياء المفصولة إنشاء مناطق متعددة الاستخدامات مثل ساحة بوتسدام).

التجربة الثالثة: بيروت - لبنان
كانت 1975 - 1990 صراعًا معقدًا استمر 15 عامًا، مدفوعا بالانقسامات الدينية، مما دمر العاصمة اللبنانية، بيروت، وقتل العديد من الأشخاص، مع تقديرات تتراوح بين 150.000 إلى 200.000 قتيلًا، وتم تهجير ملايين الأشخاص.
استراتيجية إعادة التأهيل العمراني:
كانت إعادة إعمار بيروت ما بعد الحرب مجزأة ومخصصة بشكل كبير للقطاع الخاص، مع التركيز على البنية التحتية واسعة النطاق وإعادة تطوير المناطق التجارية، وكان لدى الحكومة نقص في خطة حضرية شاملة، مما أدى إلى ترميم انتقائي وهدم جماعي للمواقع التاريخية.
التعافي الأولي ( 1991- 1994):
زيادة الاستثمارات العقارية الخاصة: الإجراءات الحكومية الطارئة: مثل المساعدات المالية، واستعادة الخدمات الأساسية، وتم منح شركة تطوير خاصة سوليدير السيطرة على منطقة وسط بيروت.
تطوير البنية التحتية العامة:
تنفيذ مشاريع بنية تحتية رئيسية: الطرق السريعة والطرق الموانئ والمطارات بناء الطرق السريعة إعادة تطوير المنطقة المركزية بواسطة سوليدير (القطاع الخاص) من خلال إنشاء مكاتب فاخرة، وفنادق وشقق سكنية فاخرة.
الركود الاقتصادي وتراجع عملية إعادة الإعمار:
أزمة اقتصادية شديدة: اعتمدت اقتصاد بيروت بشكل متزايد على السياحة الأجنبية بدلًا من التعافي الاقتصادي المحلي، واستمرت التطويرات الفاخرة، وظل إعادة الإعمار مجزا وقطاعيا، دون استراتيجية موحدة على مستوى المدينة.

النتائج:
- تم منح مالكي العقارات أسهما في سوليدير بدلًا من التعويضات المالية، لكن هذه الأسهم غالبا ما فقدت قيمتها أو تم بيعها تحت الضغط.
- إعادة تطوير موجهة نحو الفخامة، استهدفت المستثمرين الأثرياء بدلًا من الأشخاص المهجرين، مما أدى إلى فقدان الهوية التاريخية للمدينة بسبب تجاهل خطة الحفاظ على التراث.
- تحولت المساحات العامة أو المجتمعية السابقة إلى مساحات خاصة وتجارية.