الخميس 06 مارس 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

بعد أزمة المياه بالأقصر.. هل حان وقت فتح الملفات المسكوت عنها؟

الخميس 06/مارس/2025 - 02:40 م

عندما يضرب المسؤول بيدٍ من حديد، في قضية تمس حياة المواطنين، ويقرر كسر حاجز الصمت والمحاسبة بلا تهاون، فهذا يعني أن هناك إرادة حقيقية لاحترام القانون، والانتصار لصوت الرأي العام الغاضب.

وعندما يكون هذا المسؤول هو محافظ الأقصر، المهندس عبد المطلب عمارة، فإن الأمور تأخذ منحى أكثر جدية، خاصة بعدما أصدر قرارًا جريئًا بإحالة ملف أزمة انقطاع المياه إلى جهات التحقيق المختصة، لكشف ملابسات الكارثة، ومحاسبة المسؤولين عن الشلل التام الذي أصاب المدينة السياحية لـ 4 أيام متواصلة.

هذا القرار لم يكن مجرد إجراء روتيني، بل هو رسالة واضحة بأن عهد التغاضي عن الأخطاء والتقاعس عن أداء الواجبات قد ولى، وأن مدينة الأقصر، بكل ما تمثله من أهمية سياحية وتاريخية، لن تكون رهينة للإهمال وسوء الإدارة بعد اليوم.

انقطاع المياه عن المدينة السياحية لم يكن مجرد أزمة طارئة، بل كان كاشفًا لحجم الإهمال والتقصير الذي طال قطاع البنية التحتية والمرافق الأساسية لعقود طويلة، ولكن جاء قرار المهندس عمارة، بإحالة ملف الأزمة إلى جهات التحقيق، ليعيد الأمل في إمكانية محاسبة المقصرين وفتح ملفات الإهمال المسكوت عنها منذ سنوات.

 

مشروع تحسين المياه.. 18 مليون جنيه والنتيجة صفر


أزمة كسر خطوط الصرف الصحي بمنطقة الحبيل، لم تكن سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الإهمال والفساد الإداري، ولعل أبرز ملفات الفشل داخل شركة المياه هو مشروع تحسين مرافق مياه الشرب في شارع خالد بن الوليد، الذي بدأ في عام 2018، وكان يفترض أن يكون مشروعًا نموذجيًا يرفع كفاءة الشبكة ويضمن تدفقًا مستقرًا للمياه.

ولكن بالرغم من رصد ميزانية تجاوزت 18 مليون جنيه، إلا أن المشروع لم يحقق أي تحسن ملموس، بل تحول إلى عبء إضافي على سكان المدينة، فبدلًا من زيادة الضغط وتحسين الخدمة، فوجئ الأهالي بانفجارات وكسور متكررة في الخطوط الجديدة أثناء التشغيل التجريبي، وذلك لعدم مطابقة المواسير والمحابس للمواصفات القياسية، (بحسب ما ذكرت المصادر حينها)، الأمر الذي دفع بالشركة إلى خفض الضغط، وكأن المشروع لم يُنفذ من الأساس، لتستمر أزمة انقطاع المياه في الأدوار العليا، بأغلب ضواحي المدينة، مما يثير تساؤلات مشروعة عن المسؤول عن هذا الفشل؟ وكيف مرت هذه العيوب دون محاسبة؟.

 

التعدي على مأخذ المياه.. فضيحة عمرها 20 عامًا دون حل


إذا كانت الأزمة الأخيرة لانقطاع المياه قد فجرت موجة من الغضب الشعبي، فإن هناك قضية أخرى لا تقل خطورة، وهي التعدي على مأخذ مياه الشرب بالأقصر، والتي ظلت معلقة منذ عام 2005 دون تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة بحقه.

تعود تفاصيل القضية إلى قيام أحد رجال الأعمال، وهو مالك فندق سياحي مطل على نهر النيل، بالتعدي على جسر نهر النيل، وإقامة مطعم عائم داخل حرم مأخذ المياه، في مخالفة صريحة لقرار وزير الصحة رقم 301 لسنة 1995، الذي ينص على ضرورة ترك مسافة 500 متر جنوبًا و200 متر شمالًا كحرم آمن لمأخذ المياه.

ورغم صدور قرار إزالة رقم 15 لسنة 2005، إلا أن رجل الأعمال المخالف استطاع استغلال نفوذه وعلاقاته برجال النظام السابق، ليتم تأجيل التنفيذ مرة تلو الأخرى، حتى أصبح هذا التعدي أمرًا واقعًا، على الرغم من الأضرار الجسيمة التي يتسبب فيها، والتي تشمل تلوث مياه الشرب بالمكونات البترولية، بحسب تقرير رسمي صدر عام 2013، أثبت أن الملوثات الناتجة عن المطعم العائم تجبر شركة المياه على قطع الإمدادات عن المدينة تفاديًا للخطر.

بذل رجل الأعمال جهود مضنية لتقنين المخالفة، سواء من خلال اقتراح مد مواسير المأخذ داخل مجرى النيل، أو عبر طلب ترخيص المطعم، إلا أن جميع الجهات المختصة رفضت هذه المحاولات لمخالفتها الصريحة للقانون، ولا يزال المطعم العائم قائمًا.

 

بعد قرار المحافظ.. هل نرى نهاية للفوضى والإهمال؟


قرار المهندس عمارة بإحالة ملف الأزمة إلى التحقيق خطوة جريئة تستحق الإشادة، إلا أنها لن تكون كافية ما لم تُفتح جميع الملفات الأخرى المسكوت عنها.

فالأزمة الأخيرة لم تكن سوى عرض لمرض أعمق بكثير، مرض الإهمال والتقصير الذي جعل مدينة بحجم الأقصر تعاني من مشكلات لا تليق بمكانتها.

وهنا يتساءل الجميع: هل سيقتصر التحقيق على أزمة انقطاع المياه، أم سيمتد ليشمل جميع التجاوزات داخل شركة المياه والصرف الصحي؟ هل سيتم فتح ملفات المشروعات المتعثرة والملايين المهدرة؟ وهل سنرى أخيرًا تنفيذ قرار إزالة التعدي على مأخذ المياه، أم سيظل النفوذ أقوى من القانون؟

مدينة الأقصر، بعظمتها وتاريخها، تستحق إدارة أكثر كفاءة ورؤية أكثر جرأة، وإذا كان قرار التحقيق هو البداية، فإن التحدي الأكبر هو استكمال المشوار، ومحاسبة كل من أفسد أو تواطأ أو تلاعب بمصالح المواطنين.

تابع مواقعنا