إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق.. موضوع خطبة الجمعة اليوم بالمساجد| نص الخطبة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم بعنوان: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق". وقالت الوزارة إن الهدف من هذه الخطبة هو: التوعية بأسباب ومخاطر التطرف والتشدد والغلو، علما بأن الخطبة الثانية تتناول إبراز أهمية العمل التطوعي، والمشاركة في المبادرات المجتمعية.
وجاء نص خطبة الجمعة على النحو التالي:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، نحمدك اللهم حمد الشاكرين، ونسألك اللهم الهدى والرضا والعفاف والغنى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه وخليله، صاحب الخلق العظيم، النبي المصطفى الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
نص خطبة الجمعة في المساجد اليوم
فإن الدين مادة السعادة الأبدية؛ وأصل الحياة الطيبة، وسبيل النعيم العاجل والآجل، شرعه الله تعالى لعباده سهلا ميسرا، وحدد اللسان النبوي الشريف معالمه، وأرسى قواعده، وبين مراميه، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: «إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق».
أيها الناس، تفقدوا لذة الإيمان، وحلاوة الإذعان، وسيروا في هذا الدين برفق ولين من غير عنت ولا تكلف ولا تشدد، ولا تحملوا أنفسكم ما لا تطيقون، فما أجمل أن يكون التدين ديمومة الذكر، وإدمان الفكر، والحفاظ على الفرائض، والتجمل بالنوافل، وإخلاص النوايا، وإدامة العطايا، مقرونا ذلك كله بحال الانكسار والتذلل لله رب العالمين، فهذا هو معيار القرب، ومدار الأنس، ومفتاح الوصول، وسر القبول.
وانظروا إلى حال هذا الصحابي الجليل الذي تمنى أن يقبل الرفق النبوي في العبادة، وندم أن حمل نفسه فوق طاقتها، يقول سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟» فقلت: بلى يا رسول الله، قال صلوات ربي وسلامه عليه: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام؛ فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله»، قال عمرو رضي الله عنه: فشددت؛ فشدد علي، قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة، قال: «فصم صيام نبي الله داود -عليه السلام-ولا تزد عليه» قلت: وما كان صيام نبي الله داود -عليه السلام-؟ قال: «نصف الدهر»، ثم تأملوا أيها الكرام إلى هذه الكلمة التي تكتب بماء العيون: «فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم»! فالرفق الرفق عباد الله!
ويدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فيرى حبلا ممدودا بين ساريتين، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: لزينب، تصلي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: «حلوه» ثم قال: «ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد»، فالرفق الرفق عباد الله!
أيها الناس، إن الإقبال على التدين بحال المبالغة والتشدد يقذف في القلوب الكبر والعلو على خلق الله، فينبت التكفير والتطرف والإرهاب، كحال ذي الخويصرة وأصحابه، الذي بلغ به الاستعلاء أن يظن نفسه صاحب ميزان الحكم على الناس، حتى على الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه، حيث قال: «يا محمد، اعدل»، فقال له صلوات ربي وسلامه عليه: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل»، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، فكان الخسران والخيبة لكل ذي خويصرة، يعقبه هذا الوعيد المحمدي الشديد «هلك المتنطعون».
وهذا نداء إلى كل مستعل بتدينه، مغال في تعبده: لا تتشدد فيشدد عليك، لا تضيق فيضيق عليك، تأدب بالأحوال النبوية الشريفة، تتبع الأنفاس المحمدية المنيفة، واستشعر نعمة التوفيق الإلهي، واشكر الله تعالى على ما أقامك فيه، وانطلق بلسان الخاضع لمولاه الذي لا ينظر إلا إلى تقصير نفسه، ولا يعتني إلا بتصحيح نيته، وليكن لسان حالك ومقالك «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
واعلموا أن شهر شعبان قد تسارعت أيامه وأوشكت لياليه الشريفة على الانقضاء، فأحسنوا بالخير ختامه، واستعدوا لاستقبال شهر رمضان المعظم، موسم الرحمات والنفحات والمغفرة والعتق {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فاعلموا أيها السادة أن العمل التطوعي نبل إنساني وواجب وطني، ودلالة مضيئة على شيوع التكاتف والتراحم والتواد والتحاب والتماسك في ربوع المجتمع، والمسلم مفتاح للخير، داع إليه، مسارع فيه، متفاعل مع بني وطنه، ورائده في ذلك أمر رب العالمين {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب}.
أيها الكرام، إن العمل التطوعي مطلب شريف، وعمل مبارك، وخير كثير ينشره المسلم سخي الأخلاق نبيل الطباع بين أبناء وطنه، حتى يتحقق الحال الشريف الذي بينه لسان الجناب الأنور صلوات ربي وسلامه عليه: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
فهلموا أيها السادة للمشاركة في المبادرات التطوعية الوطنية، أقبلوا على دعوات الإغاثة القومية التي يظهر فيها تكاتف الأمة وتراحمها وتعاونها، وانطلقوا بهمة عالية إلى الإسهام في كل خير؛ تنالوا كل خير وأجر وبركة، وصدق رب العالمين {فمن تطوع خيرا فهو خير له}، {ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}.