تسويق الطيبة
من 4 سنين وفي واحدة من أكتر القصص اللي أثارت استغراب المجتمع الياباني المعروف بأدب معظم سكانه حصلت قصة صعبة شوية بطلها شاب ياباني اسمه تاكاشي مياغاوا وعنده 39 سنة.
الأخ تاكاشي كان بيشتغل جديد في واحدة من شركات التسويق اللي موقعة عقود دعائية مع شركات للسجاد وللمفروشات وللأجهزة الكهربائية، يعني إيه؟ يعني شركة التسويق اللي بيشتغل فيها هي الواجهة الدعائية لشركة كبيرة لبيع السجاد ولشركة كبيرة لبيع الأجهزة الكهربائية ولشركة كبيرة لبيع العفش.
دور شركة التسويق دي هو الترويج لمنتجات الشركات اللي هي واجهة ليهم واللي هي بتتولى الإعلان عن منتجاتهم، وطبعًا كل ما الشركات باعت أكتر كل ما ده اتحسب في ميزان شركة التسويق اللي كده تعتبر نجحت في مهمتها، عشان كده شركة التسويق كانت عاملة تارجت صعب جدًا للي شغالين فيها.
اللي هو أنت عايز تشتغل عندنا تمام وإحنا موافقين وكمان هنديلك مرتب ضخم محدش يحلم بيه بس بشرط واحد وهو إنك تكون حريقة بيع للشركات اللي إحنا بنسوق منتجاتها، طيب هو مش المفروض إن دوري يكون إني أقدم أفكار تسويقية بديعة ومُلهمة تشجع الناس إنها تشتري! يبقى إيه لزمة إن أنا نفسي اللي أبيع!، ده مش دوري!
لأ هو ده دورك ودور كل واحد بيشتغل معانا، إنك تبيع مش بس تحط أفكار للبيع، تمام ماشي حاضر، بدأ فعلًا تاكاشي في تنفيذ مهمته اللي كانت صعبة جدًا خصوصًا مع وجود شركات منافسة قوية وكده كده الزبون الياباني ناصح وذكي وبيعرف يختار المنتج اللي فيه مصلحته مهما كنت مقدم له مغريات في منتج تاني، والنتيجة؟ تاكاشي كان بيبيع بس مش قادر يحقق التارجت المرصود له.
طب والحل؟ مخه وذكاءه أو خلينا نقول شيطانه أقنعه إنه لقى حل مناسب للمشكلة دي! الأخ تاكاشي استغل إنه وسيم بشكل ملحوظ وقرر إن وسامته دي تكون هي مفتاح تحقيقه للتارجت، بدأ يرسم دور العاشق الولهان على عدد من السيدات اللي اتعرف عليهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وواحدة واحدة وقعهم في شباكه.
والحقيقة تتقال كمان الولد كان لسانه حلو وبيعرف يتكلم كويس فدي كانت بداية مثالية عشان مخططه ينجح بامتياز، طب والنتيجة كمان مرة؟ 35 سيدة من أعمار مختلفة بعد شهرين بس من تكثيف مجهوده في الإيقاع بيهم كانوا فعلًا بيحبوه! محبتهم له كانت بوابة عشان يقنعهم يشتروا منتجات الشركات اللي هو بيمثلها، اللي هو مثلًا يقول لـ فلانة اشتري المكواة الفلانية من الماركة الفلانية عشان عليها سحب جوايز! بجد يا تاكاشي؟ أيوا طبعًا بجد وهو أنا هضحك عليكي! فالبنت تشتري.
يروح لواحدة تانية يقول لها إن شركة السجاد العلانية بتعمل سحب مفاجئ على هدية قيمة كل شهر على مبيعات السجاد في الشهر اللي قبله فتروح السيدة الغلبانة اللي بتسمع كلام حبيبها فتشتري السجادة، وهكذا.
خلّى كل واحدة تشتري من 5 لـ 10 منتجات مختلفة يعني بنتكلم في متوسط مبيعات رهيب خلال شهرين حققه الأخ تاكاشي بسبب خطته وطبعًا ده خلّاه يترقى ويبقى مدير في وقت قياسي فقرر إنه يطور من أدوات نصبه بشكل مختلف، عمل إيه؟ كده كده الـ 35 سيدة دول بيحبوني وكده كده أنا حققت التارجت اللي عايزه يبقى لازم أكمل في طريقي! خلّى الموضع منظم شوية السنة عبارة عن 365 يوم، والستات عددهم 35 سيدة، خلاص أنا هخصص ترتيب معين وهعمل جدول ثابت ليهم كلهم بحيث إني أقابل كل واحدة منهم 10 مرات في السنة عشان يكون إجمالي عدد أيام المقابلات للكل 350 يوم.
هيفضل في السنة 15 يوم هياخدهم إجازة ومش هيقابل فيهم حد، طب وبالنسبة للـ 10 مقابلات بتوع كل واحدة؟ هيفهم كل واحدة منهم إنه مشغول لشوشته في الشغل بتاعه وبيضطر يسافر كتير بس هينزل إجازات في يوم عيد ميلاده، وفي تاريخ أول يوم اتقابلوا فيه، ويوم هيقول إن أمه تعبانة فهينزل إجازة عشان يزورها وبالمرة يقابل البنت الفلانية، ويوم هيقول إنه هرب من الشغل مخصوص كام ساعة عشان يقابلها، وهكذا.. والهدف؟.. إنك لو لاحظت هتلاقي الـ 10 مرات بتوع كل واحدة مرتبطة بعيد ميلاد الباشا الوهمي اللي هو قايله ليها أو مرتبط بظرف قهري أو خارج عن الإرادة بالتالي هيبقى كل هم البنت اللي هتقابله إنها إزاى تبسطه وتسعده في الكام ساعة اللي هتشوفه فيهم وبالتالي برضه هتجيب له هدية في كل مرة من المرات دي أو أضعف الإيمان هتعزمه على الخروجة!
وهو ده اللي حصل بالظبط زي ما خطط تاكاشي، بقت كل واحدة منهم تتفنن إزاى تخفف عن حبيبها لما يتقابلوا وفي المرة بتاعت عيد ميلاده بتجيب له هدية حلوة، وفي المرة بتاعت تاريخ أول مقابلة بينهم بتجيب له هدية برضه، وفي المرة بتاعت تعب والدته تجيب لوالدته هدية وطبعًا الباشا بيضرب عليها وبيبيعها.. تخطيط أبالسة مايجيش على بال الشيطان نفسه، لحد ما في مرة شافته واحدة وهو قاعد مع واحدة تانية في كافيه فجالها صدمة وروحت البيت وبدأت تدور وراه وكتبت قصتها معاه وحطت صورته على واحد من الجروبات المخصصة للبنات بس في اليابان وبدأوا الضحايا يظهروا واحدة ورا التانية لحد ما الـ 35 سيدة لموا بعضهم واتجمعوا واتعرفوا على بعض وقدموا بلاغ للشرطة في الأخ تاكاشي واتقبض عليه واتحكم ضده بعقوبة حبس مغلظة، لأن التصرف اللي حصل كان ضد كل المعايير الأخلاقية للمجتمع الياباني، وفي نفس الوقت الـ 35 سيدة كسبوا احترام الناس كلها لأنهم كانوا سيدات محترمات حاولوا يكونوا مثاليين مع الشخص اللي حبوه من قلبهم ومحدش لامهم على طيبتهم، أو سذاجتهم، ولا حد قال عليهم إنهم عُبط.
الطيبة، وحُسن الظن، وتوقع الخير من الناس مش حاجات ينفع تبقى باب لتأنيب الإنسان، ولا حطه في خانة المذنب، ولا وصفه بالهبل، ولا هما صفات ينفع تتغير للعكس بضغطة زُرار، في أى تعامل إنساني من أي نوع، ولما طرف بيظهر على حقيقته البشعة المفروض إن لو فيه لوم يبقى على الخبيث، الملاوع، أبو مليون وش، واللي مالوش أمان مش على اللي كان على نياته! الحقيقة المؤكدة إن الطيب هيفضل طيب، وإنه بيتعامل بمعايير تربيته وأخلاقه، وفي نفس الوقت طيبته دي بتكون هي السبب إن ربنا برحمته بينور له المتداري، وبيكشف له المستور، وبيشوّفه نوايا الغير، وبيشيل الغمامة من على عينيه في الوقت المناسب، فيه مقولة عظيمة بتقول: يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت.