مشانق وزير الصحة

في زمن أصبحت فيه العناوين المجتزأة تنتشر أسرع من الحقائق، الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان الذي طالما عُرف بهدوئه ودماثة خلقه وحُسن تعامله مع المواطنين خلال جولاته الميدانية.

 وأصبح الوزير ترند رقم 1 في محركات التواصل الاجتماعي بسبب هجوم غير مبرر عقب تصريح مقتطع من سياقه خلال زيارته الميدانية لمستشفى العدوة بمحافظة المنيا، التي جاءت لمتابعة أداء المنظومة الصحية والوقوف على احتياجات المرضى.

ما قاله الوزير للمريض لم يكن استعلاءً ولا تقليلًا، بل جاء كرد فعل إنساني ومهني على شكوى أحد مرضى الغسيل الكلوي، الذي تحدّث عن طول فترات الانتظار وسوء معاملة أفراد الأمن، الوزير لم ينكر الشكوى ولم يهاجم المريض بل أوضح أن المكان جديد ويحتاج إلى التزام بنظام معين لصالح المرضى، ثم قال جملته التي أثارت الجدل: الدولة عملت لكم مكان جميل على حسابها، ومفيش زيه في أي محافظة ومسمعتش حد قال شكرًا.

ولكن ماذا بعد؟ حين ردّ عليه المريض قائلًا: شكرًا، كان رد الوزير بكل تواضع: لا، ده واجبنا.

هذه الجملة وحدها تكشف حقيقة الموقف، وتؤكد في دلالة واضحة على احترامه وتقديره الكامل للمرضى وإيمانه بأن تقديم الخدمة الطبية اللائقة حق أصيل لكل مواطن، مع العلم أن الوزير لم يكن يومًا بعيدًا عن الناس، ولم يقصد التقليل أو التلميح السلبي، بل عبّر عن ما تحاول الدولة إنجازه من تطوير وتحديث وَفقًا لمعايير صحية دولية لخدمة المرضى والمواطنين.

الدكتور خالد عبد الغفار ليس من المسؤولين الذين يختبئون خلف المكاتب هو نفسه الذي وجّه خلال الزيارة بتقديم تقرير يومي مصور عن أعداد طاقم التمريض الحاضر في المستشفى، حرصًا على انتظام العمل وتقديم الخدمة بشكل لائق لجميع المرضى، بل وطلب أن تُرفع هذه التقارير مباشرة إلى مكتبه.

أليس هذا الوزير هو ذاته الذي يجوب المحافظات أسبوعيًا، من شمال مصر إلى جنوبها، ليتابع جودة الخدمة بنفسه؟ أليس هو الذي يقود واحدة من أكبر عمليات تطوير المنظومة الصحية في مصر خلال عقود؟ لماذا نعلّق المشانق بناءً على جملة أُخرجت من سياقها، ونغض الطرف عن الصورة الكاملة؟

نعم، المسؤول يُحاسب، ويُنتقد، لكن بعدل، والعدل هنا أن نُدرك أن الوزير لم يُقصّر، بل اجتهد، ولم يتجاهل الشكوى، بل تجاوب، ولم يستعلِ، بل قال: واجبنا.
ولو كان هناك لوم على الدكتور خالد عبد الغفار، فهو عدم أخذه في الحسبان أن هناك مَن يتربص ويبحث في كل كلمة عن ثغرة وفي كل نية طيبة عن فرصة للعب على مشاعر الناس، وتأجيج الرأي العام.

علينا أن نُساند من يعمل، لا أن نحاكمه على نواياه ونُفسد رسالته بكلماتٍ تم تأويلها بعيدًا عن معناها الحقيقي.