الجمعة 21 مارس 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أمي.. واشطبوا أسماءكم

الجمعة 21/مارس/2025 - 05:26 م

في مثل هذا اليوم من كل عام، يتسابق الجميع بكتابة التهاني والكلمات الطيبة لأمهاتهم، على ما قدموه لهم طوال حياتهم.

وما بين أمٍ تتلقى التهنئة وأخرى رحلت عن عالمنا، تبقى الذكريات الغالية في داخل كلٍ منا، ترسم لوحةً مليئة بالفرح تارةً، وبالحنين والشجن تارةً أخرى.

أمّا أنا هذا الولد الذي فقد أمه منذ عامٍ ونصف، بعد رحلة من التعب والعناء تكبدتها أمي طوال أكثر من 40 عامًا، كنت فيها أكبر يومًا وتزداد هي شموخًا ووقارًا، فلم أجد وأنا في هذا اليوم سوى هذه السطور الباكيات بين يدي، كي أقدمها إلى أحن نساء الكون بالنسبة لي، وهي ترقد الآن في قبرها بين يدي ربها، بعد أن أنهت رحلة العطاء والحب لي ولإخوتي على أكمل وجه.

لم تكن أمًا عادية كغيرها، كانت أمَّا بحجم الجبال الشامخات، لم تكسرها السنين برغم الهموم العاتيات، كانت لنا الملاذ حينما تعصف بنا رياح الوجع والشدة.

أمي وبعدها يأتي كل شيء، تحملت واصطبرت وعافرت من أجل أن نكون فيما نحن عليه، كانت ومازالت تجسد فينا طعم المودة برغم قسوة الحياة ومعاناتها.

ما زلتُ أتذكرها وأنا طفلٌ صغير، وهي تختار لي ملابسي وتختار لي ما يليق بي في عيونها، ويجعلني رائعًا في عيون الآخرين.

ما زلتُ أتذكرها وأنا في الشهادة الثانوية وهي تنظر لي وأنا أذاكر دروسي ليلة الامتحان، وفي عينيها نظرة شفقة عليَّ من طول سهري أمام كتاب اللغة العربية.


ما زلتُ أذكرها وهي تنتظر عودتي من الجامعة نهاية كل أسبوع، وتأخذني في أحضانها، لتعوضني فقدها طوال أسبوع الغياب والدراسة.

ما زلتُ أذكر نظراتها لي ودعواتها التي لم تفارقني بركاتها حتى اليوم، وتسير معي حيثما كنت، لأجد نفسي دائمًا على موعدٍ من بقايا دعواتها الطبية حتى بعد رحيلها.

ما زلتُ أتذكر وجهها وهي على فراش المرض، ونحن نبحث لها عن طبيب يخفف آلامها وأوجعها التي تكالبت عليها وهي صابرة ولا تئن.

ما زلتُ أذكرها قبل يوم واحدٍ من وفاتها داخل المستشفى، وهي توصيني على زوجتي وأبنائي وإخوتي ووالدي بكلمات ما زالت في مسامعي حتى اللحظة.

ما زلتُ أذكر الساعة الرابعة فجر يوم الثلاثاء الموافق 31 أكتوبر من عام 2023، وذاك الاتصال الذي جاءني من المستشفى قائلًا: "البقاء لله، والدتك ماتت، ربنا يصبركم" لأشعر وقتها وكأن الدنيا أطبقت على صدري وأثقلت عليَّ لأجد ملامحي وكأنني كبرت 50 عامًا فجأة.

ما زلتُ أذكرها وأنا أحمل نعشها نحو المسجد المحيط بمنزلنا كي أصلي عليها الصلاة الأخيرة، وكأن روحي رحلت عني، وكأن صوتي غادرني حزنًا على رحيلها.

مضى من عمري 40 عامًا قضيتها مع أمي التي لم أجد عوضًا عنها ولن أجد، فلا شيء يساوي حنانها وحبها، ولا شيء يعوض فقدها ورحيلها، حتى لو اجتمعت كل نساء الدنيا.

أمي واشطبوا أسماءكم..!! فلا يوجد بين كل النساء امرأةُ تعوض فقد الأم بعد رحيلها، فلا أختٌ ولا زوجة ولا ابنة تملأ فراغ أمي.

فسلامًا يا أمي لروحك الطيبة، ووداعًا حتى نلتقي مرةً أخرى تحت التراب، وفي جنان الخلد إن شاء الله.

تابع مواقعنا