الصحابة ليسوا مجرد شخصيات تاريخية
قبل سنوات قاطعت المسلسل الإيراني يوسف الصديق بناءً على فتوى من علماء السعودية، وكانت صحيحة ومحقة آن ذاك، ولكن العجيب الآن ذلك الصمت تجاه تجسيد صاحبة رسول الله وخير خلقه بعد الأنبياء!! فهل طال الهوى هؤلاء الفقهاء أم الخشية تمنعهم؟
قد يتناول البعض مسلسل معاوية المعروض على قناة إم بي سي السعودية من منظور تاريخي، ويرى أنه غير دقيق، وذلك مؤكد حتى دون الحاجة لمشاهدة العمل كونه يتناول فترة تاريخية غاية في التعقيد واختلفت الروايات حيالها، حتى أصبحت الحقيقة أمرا صعب الإدراك، ولهذا فكل طرف سوف يتبنى ما يروق له من روايات، أو حتى نجد الاعتبارات السياسية تتدخل في الأمر، وذلك ما حدث بالفعل بحسب الآراء التي بدأنا نسمعها من هنا وهناك، وهذا محزن أن يخضع الدين للسياسة وليس العكس.
وخلاصة الأمر أنها فتنة وقعت بين أطراف جميعهم أخيار أطهار، لا يمكن أن تحركهم دنيا أبدا، وإنما كان الدين هو غايتهم جميعا، وربما اختلفت الرؤى والتفسيرات ليس إلا، مع وجود أشرار لا يخلو منهم زمان، اندسوا بين كل فريق فأشعلوا الفتنة، وهي إرادة الله الذي لا يتحرك ساكن على وجه الأرض إلا بإذنه.
أما الأهم هنا أن هذا العمل الدرامي الذي يحمل اسم صحابي جليل هو سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وهو أحد كتاب وحي رسول الله عليه وآله وصحبه الصلاة والسلام وأمه السيدة هند بنت عتبة، وهي من هي.. فهل عقائديا يجوز تجسيده في عمل درامي من قِبل ممثل يمكن بعدها أن نراه في دور لص أو محتال أو غير ذلك.
وكذلك من يمكن أن يقترب حتى من حذاء الإمام علي بن أبي طالب حتى يجسده بكل جرأة وتبجح، وهو ابن عم رسول الله وزوج ابنته السيدة فاطمة أم سيدا شباب أهل الجنة سادتنا الحسن والحسين أحفاد نبينا الكريم وعطرته.
و نفس الأمر بالنسبة لسيدنا عثمان بن عفان الذي أنفق لأجل الإسلام ثروات طائلة، وكان زوجا لابنتين من بنات النبي عليه الصلاة والسلام، فكانت الأولى السيدة رقية وبعد وفاتها، تزوج من السيدة أم كلثوم ولهذا أصبح لقبه ذا النورين.
نفس الأمر ينطبق على جميع الصحابة الذين كانوا عونا وسندا لنبينا الأكرم محمد بن عبد الله، وحملوا أمانة الدعوة من بعده حتى وصلت لكل أرجاء الأرض.
ولهذا فإن ذلك العمل بالفعل يعد من المحرمات سواء لمَن عمل به أو حتى شاهده، ومقاطعته واجبة حتى لا تتشوه صورة خير خلق الله بعد الأنبياء في أذهاننا بصور ممثلين نعلم جميعا كيف هي حياتهم وتدينهم، فضلا عن المغالطات التي هي قطعا واردة، لأن البعرة تدل على البعير ويكفي أن نعلم من كتب هذا العمل وهل هو مؤهل أم لا؟
وذلك هو رأي الأزهر الشريف في مسألة تجسيد الأنبياء والصحابة، إذ حَرمت هيئة كبار العلماء هذا بشكل قاطع، والحمد لله على أن أزهرنا مازال بخير بفضل علمائه الأجلاء الذين لا يساومون في أمر يخص العقيدة أبدا.