تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة موضوعا لـ خطبة الجمعة المقبلة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة، موضحة أن الهدف من هذه الخطبة هو: توعية الجمهور بضرورة تعزيز الهوية المصرية ودورها في صناعة الحضارة، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول التحذير البالغ من السلوكيات الخاطئة في شهر رمضان المعظم.
تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة موضوعا لـ خطبة الجمعة المقبلة
نص الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وبهجة قلوبنا وقرة أعيننا وتاج رؤوسنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختاما للأنبياء والمرسلين، فشرح صدره، ورفع قدره، وشرفنا به، وجعلنا أمته، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن هوية الأمة معيار تميزها، ومصدر فخرها، ودليل عزها وشرفها، والتمسك بالهوية مادة بناء الإنسان صادق الانتماء صانع الحضارة، وإذا اضمحلت الهوية فقدت الأمة معالمها وخفت نور حضارتها، فهيا بنا أيها الكرام نبرز أهم مرتكزات هوية بلدنا العظيم.
أيها الناس، إن الدين هو النور الساطع الذي يضيء دروبنا، والسراج المنير الذي ينشر الجمال في ربوع بلادنا، والبلسم الشافي الذي يداوي قلوبنا، ويطمئن نفوسنا، الدين هو مصدر شرفنا وعزنا، وإذا أردتم أيها الكرام أن تدركوا عظمة التدين المصري فاستمعوا إلى إذاعة القرآن الكريم بقرائها ومبتهليها، تأملوا مشاهد موائد الرحمن يسودها روح الحب والبذل والتكافل في رمضان، متعوا أبصاركم بمشاهدة الوجوه المتوضئة في صلاة التراويح بين الجامع الأزهر ومسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه، إنها بعض شواهد الحضارة المصرية وأدلة هويتها الوسطية الخالصة.
أيها السادة، إن اللغة عنوان سيادة الهوية، وسمة التعبير الجلي عنها، اللغة هي الحصن الحصين للشخصية المصرية، والدرع الواقي لتميزها، اللغة هي حاملة الفكر والتراث، فتمسكوا بلغتكم؛ فإنها التاريخ والحاضر والمستقبل، أرأيتم أيها الكرام إلى مجالس اللغة الممتدة في حلقات الأزهر الشريف ومدارسه العلمية الرافدة كيف تصنع الحضارة وتبني الإنسان؟! هل تأملتم كيف شكلت اللغة العربية العقليات المصرية الفارقة مثل ابن هشام والسيوطي وابن منظور (رحمهم الله)؟ إن لغتنا العربية برهان هويتنا الأبية العصية على حملات التهميش والتغريب، ولم لا وهي محفوظة مرعية بقول ربنا سبحانه: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين}، ألم يحن الوقت أيها السادة لنعيد صناعة حضارتنا من جديد على أكتاف لغتنا الجميلة، وأن نربي جيلا محصنا بعز اللغة العربية وشرفها؟
عباد الله، اعلموا أن المنظومة الأخلاقية والقيمية أداة التنفيذ الفعلية للهوية الوطنية، فإذا أردنا أن نبرز هويتنا المصرية فلنحول قيمنا الجميلة إلى مؤسسات تبني الحضارة، هيا بنا أيها الكرام لنحول الرحمة من كلمة إلى قيمة، إلى مؤسسة، إلى حضارة، فنرى الرحمة حاضرة في المستشفيات، ومبرات الحيوان، ومؤسسات الرحمة والشفقة، انقلوا كلمة العلم وتنوير العقول من كلمة إلى قيمة، إلى مؤسسة، إلى حضارة، فنبصر نور العلم في المدارس والجامعات والمؤسسات العلمية بمختلف صورها، حولوا معنى الجمال من كلمة إلى قيمة، إلى مؤسسة، إلى حضارة، فنرى الجمال حاضرا في الخط العربي، والمعمار، والهندسة، أيها الكرام انتبهوا! إنه كلما ترسخت القيم والأخلاق ازدانت الحضارة جمالا وتأنقا.
أما عن الثقافة والفنون، فحاديك أيها المكرم ما جادت به العمارة الإسلامية من إبهار ما بعده إبهار، وجمال ما بعده جمال، وإن نظرة إلى أعجوبة الدنيا مسجد السلطان حسن بالقاهرة العامرة لتبرز العمارة الإسلامية في أبهى صورها، وتظهر ما جادت به قريحة الفن الإسلامي في أزهى عصوره، فكل قطعة فيه شاهدة على هوية أمة مصرية ملأت الأكوان جمالا وإبداعا.
أيها الناس، أشيعوا في أوساطكم وفي نفوس أولادكم أننا أمة عظيمة ذات حضارة عريقة ومستقبل واعد، اعتزوا أيها الكرام بهويتكم وارفعوا رؤوسكم؛ تصنعوا حضارتكم.
***
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فاعلم أيها المكرم أن شهر رمضان زمن شريف للتسابق إلى الخيرات، والمسارعة إلى الطاعات، فأحسن إلى نفسك، ولا تعكر صفو طاعتك؛ فتذهب عنك أنوار شهر الرحمات والنفحات، ويتحول حالك إلى حال غير مرضي حدثنا عنه نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم عندما قال: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر».
أخي الصائم، احذر العصبية والانفعال والغضب، واجعل يومك هادئا وليلك ساكنا، الصيام أيها المكرم سكينة وهدوء، وترق في مدارج الإيمان والإحسان، واستنارة بأنوار القرآن الكريم، وتعامل راق، واعلم أن غاية الصيام هي التقوى، قال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، وقد بين لنا الجناب الأنور عليه الصلاة والسلام بعض معاني التقوى حين قال: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم».
انتبه أيها النبيل أن يكون حالك حال من يأتي عليه شهر رمضان وهو كما هو آكل للربا، آخذ للرشوة، عاق لوالديه، قاطع لرحمه، دائم الغيبة والاستهزاء والتنمر بخلق الله، لم تصبه من أنوار الشهر الكريم بركة، ولا من فضيلته نفحة، مستحق للوعيد النبوي الشديد «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا
واعف عنا بكرمك وعافنا بفضلك يا أرحم الراحمين