هل نجح وزير التربية والتعليم في إعادة الانضباط بالمدارس؟
في مقال سابق، تساءلت: هل سينجح وزير التربية والتعليم في إصلاح منظومة التربية والتعليم؟ وأشرت إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها هذا القطاع المهم في حياة أي مجتمع.
ومع مرور الوقت، أثبت السيد محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، قدرته على النجاح في مهمة ربما فشل فيها من سبقوه، ألا وهي فرض الانضباط داخل المدارس، ورغم الانتقادات التي وجهت له، خاصة في بداية توليه هذا المنصب، فإنه بدأ يظهر بشكل واضح عزمه على معالجة القضايا العميقة التي تؤثر في العملية التعليمية.
لقد برع الوزير في فرض الانضباط بشكل كبير في المدارس من خلال زياراته الميدانية المتكررة، التي شملت مختلف المحافظات. وكان آخرها زيارته إلى محافظة أسوان، حيث قضى يومًا كاملًا يتجول داخل المدارس، مستمعًا إلى المدرسين والطلاب على حد سواء. لم يكن اللقاء مجرد مناسبة بروتوكولية، بل كان أشبه بلقاء بين رب الأسرة وأبنائه، حيث استمع الوزير لآراء المعلمين والطلاب، بما في ذلك المشاكل التي يعانون منها في البيئة المدرسية.
إن هذا النوع من التواصل المباشر والفعال مع الميدان يُعتبر خطوة مهمة في فهم الواقع، بعيدًا عن التقارير الرسمية التي ربما تكون بعيدا عن الحقيقية والواقع المرير الذي تعيشه البيئة التعلمية من تسرب للطلاب وانفلات أخلاقي وامور اخري كثيره قد خرجت عن السيطرة بالمدارس والمديريات.
ومع ذلك كله، نجح وزير التربية والتعليم، في فرض الانضباط إلى حد كبير، ولكن هناك تحديات مازالت تواجه الوزير،أبرزها ظاهرة الغش في امتحانات الثانوية العامة، هذه الظاهرة التي تعصف بمصداقية نظام التعليم، وتؤثر بشكل مباشر على المجتمع، خاصة في ظل الاعتماد الكبير على نتائج هذه الامتحانات في تحديد مستقبل الطلاب في كليات القمة مثل الطب والهندسة، في هذا السياق، سيكون للوزير دور محوري في الحد من هذه الظاهرة، وهو ما يتطلب جهودًا موازية لتطوير الأساليب التعليمية وتنظيم امتحانات تكون أكثر شفافية وصرامة.
من جهة أخرى، عرض الوزير خلال إحدى المؤتمرات الصحفية خطته لتطوير المناهج الدراسية في المرحلة الثانوية، حيث تم إعادة تصميم المحتوى العلمي بشكل يراعي تخفيف العبء المعرفي على الطلاب، ليقتصروا على دراسة ستة مواد فقط في الصف الأول الثانوي بدلًا من عشرة مواد في العام الماضي.
كما شهدت المناهج تغييرات هامة، مثل جعل اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب، وتطبيق منهج العلوم المتكاملة بدلًا من الكيمياء والفيزياء بشكل منفصل. أما مادة الجغرافيا فتم إلغاؤها من الصف الأول الثانوي لتحل محلها مادة متخصصة في السنة التالية للشعبة الأدبية، هذه التعديلات قد تساهم في تقليل الضغط النفسي والذهني على الطلاب، مما يعزز قدرتهم على استيعاب المواد بشكل أفضل.
لكن ما يزال السؤال المطروح: كيف سيواجه الوزير مشكلة الدروس الخصوصية؟ ففي ظل تدني مرتبات المعلمين وانتشار مراكز الدروس الخصوصية السناتر في جميع المحافظات، يبدو أن هذا التحدي يمثل عقبة كبيرة في طريق الإصلاح، هذه الظاهرة جعلت من التعليم في مصر نظامًا مزدوجًا، حيث يعتمد الطلاب على دروس خاصة لتكملة ما ينقصهم من شرح داخل المدارس.
كما أن زيادة نصاب المعلمين من الحصص الأسبوعية قد لا يكون حلًا جذريًا إذا لم يتم تحسين بيئة التعليم وتوفير موارد مادية أفضل للمعلمين.
أما فيما يتعلق بالكثافة الطلابية في المدارس، فإن الوزير يواجه تحديًا آخر مرتبطًا بالزيادة السكانية الهائلة. وعلى الرغم من وجود خطط لإنشاء مدارس جديدة، إلا أن الإمكانيات المالية للوزارة ما زالت محدودة، وهو ما يعيق تنفيذ هذه الخطط بشكل سريع، لذا، قد تكون هناك حاجة لتفعيل حلول بديلة مثل استخدام التكنولوجيا في التعليم أو تحسين إدارة المدارس لتوزيع الطلاب بشكل أكثر فاعلية.
وأخيرًا، يبقى السؤال: هل سيكون الحل في تطبيق نظام الباكالوريا، أم أن الوزير لديه أفكار أخرى سيكشف عنها قريبًا؟ هذا السؤال ما زال مفتوحًا، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها النظام التعليم في مصر. إن اعتماد نظام تعليمي جديد يتطلب دراسة عميقة ومتأنية لاحتياجات المجتمع المصري وواقعه التربوي، وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات المصيرية.
في النهاية، يبقى النجاح في فرض الانضباط وإنهاء مظاهر الفوضى في المدارس خطوة هامة في الطريق الطويل للإصلاح، ولكن يجب أن تتبعها خطوات أخرى أكثر جذرية لضمان تحسين مستوى التعليم وجودته على المدى الطويل.