بين الطموح والواقع.. هل يحقق قطاع البترول في مصر قفزة جديدة؟
يعتبر قطاع البترول والغاز الطبيعي أحد أهم القطاعات الاقتصادية في مصر، حيث يمثل ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني وتلبية احتياجات السوق المحلي من الطاقة. خلال السنوات الأخيرة، شهد القطاع تطورات كبيرة من حيث الاكتشافات الجديدة وتعزيز الاستثمارات، لكنه لا يزال يواجه تحديات معقدة تتطلب حلولًا جذرية واستراتيجيات واضحة. ومع تولي المهندس كريم بدوي وزارة البترول والثروة المعدنية في يوليو 2024، أصبحت الأنظار موجهة إلى رؤيته الطموحة لتطوير القطاع وتجاوز العقبات التي تعترض مسيرته.
يواجه قطاع البترول المصري العديد من التحديات التي تتطلب حلولًا سريعة واستراتيجيات طويلة الأمد لضمان استدامته وتعزيز قدرته على المنافسة إقليميًا ودوليًا. من أبرز هذه التحديات ارتفاع الاستهلاك المحلي للطاقة، مما يفرض ضغوطًا متزايدة على الإنتاج المحلي ويؤدي إلى عجز واضح في المعروض، خاصة خلال فترات الذروة. على الرغم من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي في عام 2018، إلا أن الإنتاج المحلي بدأ في التراجع خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى استيراد شحنات من الغاز الطبيعي المسال لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وهو ما يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الدولة.
من التحديات الأخرى التي تواجه القطاع مسألة جذب الاستثمارات الأجنبية في ظل تقلبات الأسعار العالمية. يعد قطاع البترول من أكثر القطاعات تأثرًا بأسعار النفط والغاز على المستوى الدولي، وهو ما يجعل المستثمرين أكثر حذرًا عند ضخ أموالهم في مشروعات جديدة. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها مصر في تحسين مناخ الاستثمار من خلال تعديل التشريعات وإطلاق بوابة مصر الرقمية للاستكشاف والإنتاج، إلا أن المنافسة الإقليمية الشرسة مع دول مثل إسرائيل وقبرص في مجال الغاز الطبيعي تجعل من الضروري تقديم حوافز إضافية لجذب الاستثمارات وضمان استمراريتها.
التحدي الأبرز يتمثل في سداد مستحقات الشركاء الأجانب، حيث تراكمت هذه المستحقات خلال السنوات الماضية، مما دفع بعض الشركات العالمية إلى تقليل حجم استثماراتها في مصر أو تأجيل مشروعاتها الجديدة لحين تسوية أوضاعها المالية. يمثل هذا الأمر تحديًا كبيرًا أمام الوزارة الجديدة، حيث يجب وضع خطة واضحة وجدولة زمنية دقيقة لضمان سداد هذه المستحقات دون الإضرار بالاقتصاد الوطني أو تحميل الموازنة العامة للدولة أعباء إضافية.
تولى المهندس كريم بدوي وزارة البترول في مرحلة دقيقة تتطلب قيادة واعية وخبرة فنية عميقة لمواجهة التحديات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في القطاع. يتمتع بدوي بخبرة تمتد لأكثر من 27 عامًا في مجال البترول، حيث بدأ حياته المهنية في شركة شلمبرجير، وتدرج في المناصب حتى أصبح المدير العام للشركة في مصر وشرق المتوسط. هذه الخبرة الطويلة منحته معرفة دقيقة بملفات القطاع المختلفة، سواء على المستوى الفني أو الإداري، وهو ما يجعله قادرًا على وضع سياسات إصلاحية تتماشى مع المتغيرات المحلية والدولية.
أحد أهم الملفات التي يضعها بدوي على رأس أولوياته هو زيادة الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي والبترول من خلال تكثيف عمليات البحث والاستكشاف، خاصة في مناطق البحر الأحمر والصحراء الغربية. تعتمد هذه الاستراتيجية على تحسين الاتفاقيات مع الشركات العالمية، بحيث تكون أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا المتقدمة لتطوير الحقول القائمة وزيادة كفاءتها الإنتاجية. كما يولي الوزير اهتمامًا خاصًا بمشروع تطوير معامل التكرير، حيث تسعى الوزارة إلى تقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي من المنتجات البترولية عبر تحديث المصافي القائمة وإنشاء مشروعات جديدة مثل مجمع التكرير والبتروكيماويات في العلمين الجديدة.
يعمل بدوي أيضًا على تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة من خلال تطوير البنية التحتية اللوجستية، مثل خطوط نقل الغاز ومحطات الإسالة في إدكو ودمياط، والتي تلعب دورًا محوريًا في تصدير الغاز المصري للأسواق الأوروبية. هذا التوجه يعزز من قدرة مصر على المنافسة في سوق الطاقة العالمي، خاصة في ظل الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي المسال بعد الأزمة الروسية الأوكرانية والتحول العالمي نحو تقليل الاعتماد على الفحم والنفط.
في إطار تحقيق الاستدامة البيئية، يضع الوزير الجديد ملف التحول نحو الطاقة النظيفة ضمن استراتيجياته، حيث يخطط لدعم استخدام الغاز الطبيعي كوقود رئيسي في قطاعي النقل والصناعة، بالإضافة إلى التوسع في مشروعات الهيدروجين الأخضر بالشراكة مع الشركات العالمية. كما تولي الوزارة اهتمامًا كبيرًا بتقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة داخل المنشآت البترولية، بما يتماشى مع التزامات مصر الدولية في قمة المناخ COP28 واتفاقية باريس للمناخ.
على المستوى الإداري، يسعى المهندس كريم بدوي إلى تعزيز كفاءة الكوادر البشرية داخل قطاع البترول من خلال إطلاق برامج تدريبية متخصصة تهدف إلى تأهيل الشباب وإعدادهم لتولي المناصب القيادية مستقبلًا. يؤمن بدوي بأن العنصر البشري هو أساس نجاح أي منظومة، ولذلك يركز على تطوير المهارات الإدارية والتقنية للعاملين في القطاع من خلال التعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية العالمية.
مع دخول مصر مرحلة جديدة من التطوير في قطاع البترول، تبدو الفرص واعدة لتحقيق إنجازات كبيرة خلال السنوات القادمة، خاصة مع الاستراتيجية الطموحة التي يتبناها الوزير الجديد. إذا تمكنت الوزارة من تجاوز التحديات الحالية وتحقيق الأهداف المرجوة، فإن مصر ستكون قادرة على تعزيز مكانتها كمركز إقليمي ودولي للطاقة، مما سينعكس إيجابيًا على الاقتصاد الوطني ويوفر فرصًا استثمارية جديدة.
يبدو أن المرحلة القادمة ستكون حاسمة في مسيرة قطاع البترول المصري، حيث يراهن الجميع على قدرة المهندس كريم بدوي على قيادة هذا القطاع بكفاءة وابتكار، مستفيدًا من خبراته الطويلة وعلاقاته القوية مع الشركات العالمية. ومع استمرار الجهود لتعزيز الإنتاج، وتطوير البنية التحتية، ودعم الاستدامة البيئية، يمكن القول إن مستقبل قطاع البترول في مصر يحمل الكثير من الفرص التي يمكن استغلالها لتحقيق التنمية المستدامة وضمان أمن الطاقة للبلاد.