السبت 25 يناير 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

صراعات بلا جدوى

الجمعة 24/يناير/2025 - 06:00 م

من أكتر اللحظات اللي سايبة أثرها السلبي فيا هي لحظة وفاة صديقنا إيهاب أبو شادي.. شاب من أشطر وأميز الكتاب الصحفيين قبل انتشار عالم السوشيال ميديا بالشكل اللي حاصل دلوقتي.. صحيح كنا وقتها وبعد التخرج مباشرة لسه في عِداد الشباب الأخضر اللي مالوش بصمة ولا معروف له طريق، بس الحقيقة إن تميز الشخص أو لأ حاجات بتبان في شخصيته وتعاملاته حتى لو عمره 4 سنين بس!.. وإيهاب كان من النوعية دي.. نباهة، وشطارة، وتركيز بشكل مالوش زي، واجتهاد وحب للشغل يتحسد عليهم.. أي مكان كان يتمنى إن إيهاب يكون أحد أفراده، وهو ده اللي حصل فعلًا وانضم لواحد من أهم الأماكن الصحفية في وقتها، وكان من حظي الحلو إني أكون معاه، وبقول من حظي الحلو عشان معنديش أى خجل إني أعترف إني اتعلمت منه رغم إننا في سن بعض، وواحدة من الحقائق الكونية اللي مافيهاش فصال إن كلنا قابلين للتعلم من الكل حتى لو كان عند اللي هنتعلم منه 10 سنين أو حتى 100 سنة.

كل شيء كان لطيف وممتع في الشغل وحققنا خبطات صحفية مميزة، كل اللي كان يعرف إن اللي عملوها شباب عندهم 22 سنة كان يستغرب.. لحد ما جت لحظة وبعد تكرار الإشادات المرتبطة بالنجاحات بدأ إيهاب يتغير، ويحس إنه محتاج يركز أكتر عشان اللي وصل له مايقلش ولا ينقص.. عارف أنت المقولة بتاعة إن الوصول للقمة صعب بس الأصعب منه هو المحافظة عليها؟.. أهو هو ده اللي كان بيدور في باله بعد النجاح اللي حققه.. بقى يبص أكتر على مين اللي بينافسوه ووصلوا لحد فين.. بقى يتأثر جدًا لو لقى إن حد عامل فكرة أحلى منه.. بقى يتوتر عشان يكمل قصة أو موضوع حلو بدأهم ظنًا منه إنهم مش قد كده مع إنهم في قمة العظمة!

ولإننا كنا في فريق واحد أنا وهو كنت بطمنه إننا ماشيين كويس ومش محتاجين نركز مع غيرنا، وإن سبب نجاحنا قبل كده هو إننا كنا باصين في ورقتنا بالفعل بدون ما نشغل دماغنا بغيرنا عاملين موضوعات إيه ولا وصلوا لفين.. بس للأسف الكلام ماكنش جايب نتيجة معاه.. للأسف كمان إنه بدأ يستجيب لخناقات جانبية مع بعض الزملاء كان أبعد ما يكون عنها في يوم من الأيام.. للأسف كمان وكمان إنه بدأ يفكر إزاى ينتقم وياخد حقه ويضر ويؤذي!.. هما بدأوا وعملوا كذا وكذا وكذا وأنا لازم آخد حقي.. أقول له يا إيهاب كل دي محاولات منهم عشان يشغلونا وهما نجحوا في كده فخلينا نعدل مسارنا ونرجع زي ما كنا من فضلك.. كان رده دايمًا إني مسالم زيادة عن اللزوم وإن النجاح أو الانتصار محتاجين مخالب تدافع عنهم، وإن لازم الإنسان يخربش ويعور عشان يقدر يكمل وعشان يخوف اللي حواليه من مجرد محاولة إنهم يمسوه بسوء.

كان واضح إن كلامي مش هيلاقي الصدى اللي نفسي فيه معاه، عشان كده بقينا مشتتين في الخناقات اليومية مع الباقيين وخطف الموضوعات منهم وده مع الوقت قلل مستوانا بشكل عام وأخدنا أكتر من تحذير من المدير اللي كنا بنتدرب في القسم بتاعه، ودي كانت حاجة هزلية بصراحة إن الثنائي اللي كان بيتم الإشادة بيهم على مدار 3 شهور اتحولوا لمصدر للمشاكل وعرضة دائمة للخصومات لمدة 6 شهور!.. وبقول الثنائي لإن أنا وإيهاب كنا محسوبين كشخص واحد لإننا في فريق واحد.. بقى شغلنا الشاغل مين قال إيه ومين عمل إيه وهنرد على فلان إزاى وهناخد حقنا من علان إزاى.

إيهاب كان بيزعل مني لما بيلاقيني بتكلم بود مع زمايلنا المنافسين على أساس إننا المفروض بالحسبة بتاعته أعداء وكده، ولما نبص في وش بعض لازم نبصق على بعض!.. جو الشغل نفسه بقى مسمم بالنسبالي ومبقتش قادر استحمله وقررت أمشي وأسيبه وحصل فعلًا بس إيهاب استمر.. التحقت بمكان تاني قدرت الحمد لله أثبت فيه نفسي في مدة قصيرة عشان كنت مركز أكتر في الشغل، وبعد ما تخلصت من متلازمة إيهاب اللي عنوانها الدخول في خناقات مع طوب الأرض، والتركيز على تصرفات الغير.. في يوم جاتلي مكالمة من صديق مشترك بيني وبينه إنه تعب واتنقل المستشفى!.. طبعًا جريت على هناك ولما سألت عن السبب عرفت إنها أزمة قلبية!.. أزمة قلبية تيجي لواحد عند 24 سنة!.. مش دي بتاعة الناس الكبار بس!.. لكن اكتشفنا من كلام الدكتور إن الضغوط اللي الإنسان بيحط نفسه فيها بالعافية هي سبب كافٍ ممكن يعرضه لأزمة قلبية.

بلطف ربنا ورحمته شاء الرحمن إن إيهاب ينجو من أزمته ويخرج منها معافى وسليم.. جت فرصة واتكلمنا سوا ونصحته وعاتبته عتاب الإخوات إنه محتاج يغير من طريقته وهو وافقني!.. لأول مرة إيهاب يوافقني.. قال لي عندك حق وإنه بقى فاهم الدنيا أكتر وإن استجابته للهرى ولعب العيال والصراعات التافهة سحب من رصيده وهمته وشغفه كتير.. طمنته إن لسه فيه وقت وإن الأهم إنه فاق.. رجع مرة تانية لشغله وللأسف سمعت إنه استمر في الدخول في الخناقات إياها تاني.. زعلت وحسيت إنه عايز يرجع لنسخته الأقدم بس خلاص الأسلوب اللي اتعود عليه بقى طبع وواضح إنه مش قادر يتخلص منه.. اتصلت بيه وطلبت منه إننا نتقابل.. كلمته يوم السبت فحددلي ميعاد نهاية الأسبوع يوم الخميس بالليل لكن يوم الثلاثاء استرد ربنا وديعته واتوفى إيهاب نتيجة أزمة قلبية جديدة لكن أكثر عنفًا بعد ما خرج من الشغل بسبب عصبيته وحرقة دمه كتير في اليوم ده.. وفاته كانت صدمة لينا كلنا.. يعني إيه شاب عنده 25 يتوفى!.. اتعلمت كتير من إيهاب وتجربته بس أهم حاجة اتعلمتها إن مفيش حد يستاهل إن رصيد هدوئي واتزاني النفسي والعصبي والصحي يتهزوا عشانه.. ربنا يرحم إيهاب ويرزقه الجنة.

عمري ما فهمت الناس اللي بتقدر تتعايش عادي مع فكرة الصراعات عمّال على بطّال مع غيرها كـ نمط حياة!.. أنا مؤمن إن فيه خناقات بتبقى مجبر تدخلها.. يعني مثلًا محاولة مس الكرامة بأى شكل أو الأذية أو التقليل من قيمتك بيحتاجوا تدّخل فوري منك عشان تحافظ على وجودك وتحسم الأمور وترجعها لحجمها الطبيعي؛ بس غير كده مينفعش الخناق يبقى منهج!.. دي حاجة بتاكل في النفسية، وبتحرق الأعصاب.. مش بحب أكون الطرف اللي حاطط عينه في وسط راسه وحاسس إنه هيتغدر بيه في أى لحظة لإنه سبق وغدر بغيره قبل كده!.. ماتعيشوا مسالمين!.. هو لازم النجاح يكون ثمنه خوازيق، وتدمير حد، أو دوس على رقبة الناس!

 الطبيعي إن سبب وجود أي إنسان على وش الدنيا إنه يشتغل على نفسه واسمه عشان يحقق هدفه من شغله.. الغيرة والكراهية والانشغال بالناس والدخول في حسبة مين أحسن مني فأحاول أكسره بيسحبوا من مخزون تركيزك اللي أنت أولى بيه من أي حد!.. شايفهم وحشين؟.. طز فيهم ماتشغلش بالك بيهم.. شايفهم ناجحين؟.. ربنا يوفق الكل ويوفقني للي محدش لسه وصل له.. مش مطلوب منك تشوف حد أصلًا، لكن شوف نفسك.. هتمر الأيام وهتكتشف مع الوقت إن فيه 3 رهانات مينفعش تخسرهم.. الأول إنك ماتكونش الجزء السيئ في حياة أو حتى يوم أي حد!.. الثاني إنك تكون النهاردة أفضل من امبارح وبكرة أفضل من النهاردة.. الثالث إنك تتعود تتمنى الخير للكل فيتمنالك الكل الخير.. براح الكون وسقفه يساعوا الكل، وأصحاب القلوب النقية النضيفة سكتهم سالكة على طول الخط.

تابع مواقعنا