صلاة الإنسانية
عندي احترام لا نهائي لكل شخص بيقرر لما يغلط يعترف بغلطه وهو عنده شجاعة إنه يحكيلك عن تفاصيل الغلط ده عشان يأكدلك إنه اتعلم وعشان يكون سبب في تعليمك أنت كمان.
زمان من حوالي 25 سنة ولما كنت طفل في مرحلة المراهقة لسه عيونه ووعيه بيتفتحوا على الدنيا كان عندنا جار اسمه عم "عزت".. راجل محترم وطيب كان عنده 70 سنة.. بعد كل صلاة جمعة كان عنده عادة لطيفة إنه يلمنا كلنا كأطفال الجيران ويقعد يحكي معانا في كل حاجة.
في يوم اتكلم معانا عن علاقته بربنا وإزاي إنها بحسب تعبيره كأغلب الناس علاقة مصلحة من طرف واحد مش بيقربوا مه غير قبل الامتحانات أو قبل ظهور نتايج التحاليل الطبية أو قبل كل خطوة مستخبية ورا علم الغيب.
بيقول إنه كان في واحدة من الحالات دي لما اكتشف من خلال تحاليل مراته إن أيامها في الحياة معدودة.. مسألة شهور بحسب كلام الدكاترة.. الفكرة إنه كان مش هيستحمل الحياة من غيرها رغم كده قرر إنه يمثل عليها ومايبلغهاش بمرضها لإنها حساسة ولإنها لو عرفت المعلومة ممكن تتوفى من الصدمة أسرع.
مع الوقت بقى الموضوع يشكل عليه عبء نفسي قاسي ورهيب.. هو قدامها هي بشكل فرفوش وسعيد وبيهزر، وقدام الناس بشكل تاني خالص كله حزن وكآبة وإحباط.. عم "عزت" ماكنش بيصلي بس لما عرف موضوع مراته قرر إنه يصلي كل الصلوات من الفجر ولحد العشاء في المسجد بشكل منتظم عشان يدعيلها أو يطلع صدقة لحد محتاج أو يساهم باللي يقدر عليه مع رواد المسجد لما بيلموا فلوس من بعض عشان يساعدوا حد عنده ظروف وهكذا.. في يوم وأثناء صلة الفجر حس بشخص جاى يقف على شماله.. لاحظ بطرف عينه إن الشخص ده حركاته غير طبيعية ولكن زاوية وقوفه المُوازية له ماكانتش مخلياه عارف أى معلومة أو ملمح من الشخص ده.
الموضوع زاد رزالة وبواخة على عم "عزت" اللي بدأ يحس من الشخص اللي بيصلي جنبه تخبيط مُستمر في الكتف.. سجود وركوع بحركات مُتوترة مايعة وغير مُتوافقة مع الجماعة.. حركة إيده ووضعية رجله مع صوته اللي طالع من أعماق سحيقة في ترديد كلمة (آمين) وكإن صاحب الصوت سكران أو نص نايم كلها حاجات أفقدت عم "عزت" تركيزه في الصلاة للدرجة إنه فضل منتظر بس الصلاة تخلص عشان يلف وينزل بالقلم علي وش الشخص اللي جنبه ده.
خلصت الصلاة وبدون تفكير لف عم "عزت" شماله وقال بصوت عالي: (الصلاة ليها احترامها.. لو مش قد الصلاة صلي في بيتكم أحسن).. لحد هنا تمام بس اللي مش تمام إن للأسف جملة عم "عزت" كانت أسرع من عينه اللي شافت شاب صغير عنده 15 سنة متعرض لإصابة مزمنة في الإيد والرجلين وإن اللي هو كان فاكره مياعة ودلع واستخفاف بقيمة الصلاة ومعناها كانت بتختفي وراهم قوة وإرادة بتحاول تقف على رجلين عشان تصلي.
احتقر نفسه، وخرج من المسجد جواه قناعة تامة إنه غلط غلطة كبيرة لدرجة إنه مشي يقول لنفسه في الشارع زى ما حكالنا: (يا حمار أنتَ مش حاجة عشان تحكم على غيرك من برّه ولا من جوّه.. إنتَ مش حاجة عشان تحكم على غيرك أصلًا.. سامحني يا رب واِشفيها.. سامحني يا رب واِشفيها).
لو ضامن إنك بدون عيوب يبقى من حقك تشاور على عيوب غيرك.. لو متأكد إنك داخل الجنة يبقى متاح ليك إنك تقول مين اللي هيدخلها معاك ومين اللي في النار.. لو عارف تفاصيل كل اللي مستخبي وبتشوف قلوب الناس من جواها يبقى أكيد مسموح لك تصنفهم.. لكن لو ماعندكش أي ميزة من اللي فاتوا دول يبقى مش من حقك ولا مطلوب منك إنك تحكم على غيرك.. أنت مش حاجة عشان تحكم على غيرك أصلًا لا من بره ولا من جوه.